جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

الفرجات للحكومة: أمور لا يسأل فيها الجيولوجي… فتتضرر المنشآت وتهبط الشوارع

كتب_ د ا محمد فرجات

424

         صرَّح البروفيسور محمد الفرجات أستاذ الجيولوجيا وجيوفيزياء المياه والبيئة بجامعة الحسين بن طلال بأن التوليفة الجيولوجية للأردن لا يفهمها ولا يحسن التعامل معها إلا المتخصص في علوم الأرض، العارف بطبقات المملكة وصخورها وتراكيبها البنيوية. ووجه الفرجات التوضيح التالي عبر الإعلام إلى الحكومة.

وقال الفرجات إن الأردن يقع على صدع البحر الميت النشط، وهو من أهم الفوالق التحويلية في العالم، يمتد من خليج العقبة جنوباً مروراً بوادي عربة والبحر الميت والأغوار وصولاً إلى شمال المملكة.

هذا الصدع أوجد تضاريس حادة، وانحدارات شديدة، وتشققات سطحية، ما يجعل كثيراً من المناطق حساسة جيولوجياً لأي نشاط طبيعي أو بشري.

وأضاف بأن كل عاصفة مطرية جديدة، كما حدث قبل يومين، تذكّرنا بأن الخطر الحقيقي ليس في المطر وحده، بل في عدم فهم الأرض التي تُشيّد عليها الطرق والمباني وخطوط الخدمات.

وبيّن الفرجات أن انزلاقات التربة والصخور، والانهيارات، وهبوط الأساسات، وتجمعات المياه التي تُضعف الأبنية كلها أحداث قابلة للتوقع والمعالجة إذا وُجدت الدراسات الجيولوجية الدقيقة قبل وأثناء التنفيذ.

وأشار إلى أن الانحدارات الطبوغرافية الناتجة عن صدع البحر الميت تشمل مناطق صخرية متكشفة شديدة الهشاشة:

من مرتفعات تتجاوز 1500 متر فوق سطح البحر تهبط إلى أكثر من 430 مترًا تحت مستوى سطح البحر. وتترافق هذه الانحدارات مع أودية عميقة ومصاطب رخوة ومناطق تجمع مياه، مما يجعلها نقاطاً نموذجية للانزلاقات عند هطول الأمطار الغزيرة.

وأكد الفرجات أن التكاوين الجيولوجية في الأردن حساسة للغاية وتشمل:

1. تكوين أم غدران (Umm Ghudran Formation)

طبقات كلسية وطباشيرية مع مارل طيني كربوني، تظهر فيها فروقات واضحة في التماسك.

فالطباشير الطرية تتمدد وتنكمش عند تعرضها للماء، ما يؤدي إلى تشققات في الأساسات وهبوط تفاضلي للمباني.

وتتداخل معها أحياناً من تكاوين صخرية أعلى طبقات فسفورية أو صخور زيتية تزيد من هشاشة بعض المواقع.

2. تكوين شعيب (Shuʿayb Formation)

طبقات كربونات ومارل متداخلة مع صخور متشققة وفوالق سطحية.

وتزداد حساسية هذه المناطق للانهيار حيثما انتشرت التعرية أو البناء العشوائي على السفوح.

3. تكوين الفحيص (Al-Fuhays Formation)

مزيج من الكربونات والمارل والطين، قابلة للذوبان الجزئي أو التصدع والانزلاق عند التشبع بالمياه.

ووجود هذا التكوين في مناطق مأهولة يفرض إجراء دراسات أسس متقدمة قبل البناء.

4. تكاوين الكُرنُب الرملية Kurnub Formations:

طبقات رملية متفاوتة التماسك.

وعدم تثبيتها هندسياً يؤدي إلى هبوط الطرق والمنشآت فوقها.

5. الرواسب الحديثة في وادي عربة وخليج العقبة:

ركامات غير متماسكة من حصى ورمال وطمي، سريعة الانجراف والانزلاق.

وغالباً ما تنتشر في بطون الأودية ومجاري السيول، ما يجعل أي مشروع فوقها أو بالقرب منها عالي الخطورة دون معالجة جيولوجية دقيقة.

وقال الفرجات إن العاصفة المطرية الأخيرة كشفت بوضوح نقاط ضعف خطيرة في بعض المناطق، تمثلت بـ:

انهيارات صغيرة على جوانب الطرق الجبلية.

تشققات في الأسفلت والبنية التحتية نتيجة تشبع التربة.

هبوط تفاضلي في أسس بعض المباني.

انحراف المياه نحو منشآت حيوية بسبب انسداد مجاري التصريف.

وأوضح أن هذه المشكلات ليست نتيجة المطر وحده، بل نتيجة تغييب دور الجيولوجي، أو قيام غير المختصين بتقمص دوره، الأمر الذي ينعكس مباشرة على سلامة المنشآت.

دعوة الفرجات للحكومة:

أكد الفرجات أن وجود جيولوجي مختص ومتمرس في كل بلدية ومؤسسة ذات علاقة بالأرض وكل مشروع إنشائي ضرورة وطنية لحماية الأرواح والممتلكات، وذلك من خلال:

دراسة خصائص التربة والصخور وتراكيبها في كل موقع.

رسم خرائط المخاطر والانحدارات والفوالق والحفر الانهدامية المحتملة.

تقديم توصيات هندسية دقيقة لعمق الحفر وأنواع الأساسات ومعالجات الأرض.

متابعة التنفيذ لضمان الالتزام بالتوصيات الجيوتقنية.

مقترحات لتقليل المخاطر:

وقد قدّم الفرجات مجموعة من التوصيات أبرزها:

إلزام تقرير جيولوجي متخصص قبل أي مشروع مع توصيات واضحة.

تدريب كوادر البلديات والمهندسين المدنيين على قراءة الخرائط الجيولوجية.

تحسين شبكات التصريف وتبطين الأودية الحساسة.

تحديث خرائط المخاطر الوطنية باستخدام LiDAR وInSAR وغيرها من تقنيات الاستشعار عن بعد.

وأوضح الفرجات أن هناك رموزًا ومؤشرات جيولوجية لا يتقنها إلا المتخصص، وأن تقمّص دور الجيولوجي من قبل غير المختصين أمر خطير في بلد مثل الأردن يتميز بـ:

تضاريس شديدة التعقيد.

صدع نشط.

تكاوين متباينة.

رواسب رخوة في مناطق حيوية.

وختم الفرجات تصريحه قائلاً:

“فهم الأرض ليس رفاهية، بل أساس حماية الناس والبنية التحتية. وجود الجيولوجي المختص والمتمرس في كل مشروع سيُقلِّل المخاطر، ويحمي استثمارات الدولة، ويضمن استدامة التنمية، ويجنب الأردن خسائر بشرية ومادية ضخمة في المستقبل.