جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

أبواب تاريخية بتونس العتيقة تقاوم الاندثار

1٬604

تونس – الأناضول – تشتهر مدينة تونس بأبوابها التاريخية التي بنيت قبل قرون عدة، ومن أصل 24 بابًا كانت تحيط بالمدينة داخليَا وخارجيًا لم يتبق سوى 5 أبواب لا تزال قائمة إلى اليوم في حين لا تزال التسميات الأخرى تطلق على أماكن وجود الأبواب المندثرة.
وأحصى علماء الآثار بتونس 24 بابًا كانت تحيط بالمدينة عبر سور داخلي من أهمها “باب البحر”، و”باب سويقة”، و”باب منارة”، وأبواب أخرى متصلة بسور خارجي من أهمها “باب سعدون”، و”باب سيدي عبد السلام”، و”باب العسل”، و”باب الخضراء”.
وكانت هذه الأبواب نافذة مدينة تونس عبر التاريخ، تحيط بها من كل جانب وتجعلها منفتحة على عالمها الخارجي، مشدودة بأسوار وأعمدة لتحمي المنازل والدّكاكين التي كانت بداخلها.
واندثرت أغلب تلك البواب وتلاشت مع ما عرفته البلاد التونسية من تطورات عبر تاريخها حالت دون صمود هذه المعالم التّاريخية إلا أن 5 أبواب وهي “باب البحر” و”باب الجديد” و”باب سعدون” و”باب الخضراء” و”باب العسل” لا زالت تقاوم الاندثار.
وصمدت هذه الأبواب أمام ما مرّ عليها من عصور وعهود وحروب، منذ دولة الأغالبة (800 – 909 ميلادية) تاريخ تشييد أولى هذه الأبواب، مرورًا بالعصر الحفصي (1229- 1574 ميلادية)، وإلى يومنا هذا.
وخلف كل باب من هذه الأبواب قصّة ودلالة اتخذ منها تسميته، حسب الباحث في الآثار الإسلامية، فتحي الجراي، الذي يقول لوكالة الأناضول إن أبواب تونس تصنف إلى أبواب داخلية وأخرى خارجية.
وأضاف أن المدينة عرفت عبر تاريخها سورين أحدهما داخلي وهو النواة الأولى للمدينة ويعود لفترة دولة الأغالبة، وضم في بداية بنائه 5 أبواب وهي: باب البحر، باب سويقة، باب الجزيرة، باب أرطة (باب منارة حاليا)، باب قرطاجنة.
أما السور الخارجي فقد “تشكل فيما بعد عندما تشكلت مجموعة من الأرباض (أحياء سكينة توجد خارج المدينة) قبالة باب الجزيرة من الناحية الجنوبية وباب سويقة من الناحية الشمالية”، وفق الجراي.
وأشار الباحث إلى أن “هذه الأرباض تكونت بسبب هجرة بني هلال في عام 1050 ميلادية  (من أشهر الهجرات العربية إلى شمال أفريقيا) وهناك مجموعات فرّت أمام زحف بني هلال واستقرت على أبواب المدينة لتتطور هذه الأحياء ما جعل السلطات الحفصية (1229 – 1574 ميلادية) فيما بعد تقيم أبوابًا خارجية مثل: باب أبي سعدون، باب سيدي عبد السلام، باب الخضراء، باب العسل، باب الخضراء، وكلها تقع شمالا”.
أما جنوبًا، وفق الجراي، فـ”هناك أبواب أخرى مثل: باب الجبالية، باب المرقد (كان مخصصًا لنقل الدّواب باعتبار أنه يفتح على المرقد الذّي كان إسطبلا للحيوانات في العهد الحفصي)، باب سيدي قاسم، باب علاوة (يسمى اليوم باب عليوة)، باب الفلة”.
وأوضح أنه “بالإضافة إلى ذلك كانت هناك أبواب أخرى خاصة بالقصبة (مقر رئاسة الحكومة اليوم وعدد كبير من الوزارات) على اعتبارها كانت تمثّل مركز الحكم منها: باب انتجمي (تسمية بربريّة تعني باب المنزل)، باب الغدر (باب سرّي يفضي إلى خارج المدينة)، باب القصبة، وهي كلها أبواب مخصصة أساسا لعبور الحكام وحاشيتهم ووزرائهم وليست للعامة”.
ولفت الباحث إلى أن “أبواب مدينة تونس لم تبن دفعة واحدة، بل إن الأبواب الأولى بنيت مع السور الأول للمدينة زمن دّولة الأغالبة مثل: باب البحر، باب سويقة، باب الجزيرة، باب ارطة، باب قرطاجنة”.
وبين أن “هذه الأبواب لم تبق على حالها، وإنما خضعت لظروف أمنية واقتصادية خلال الفترات التّي عاصرتها ليضاف إليها في الفترة الحفصية كل من: باب جديد، باب بنات، وبُني باب منارة مكان باب أرطة”.
ووفق الباحث في الآثار الإسلامية، فإن “هذه الأبواب كانت تغلق ليلاً لدواعٍ أمنية، وأيضًا لدواعٍ اقتصادية لمنع دخول التجار دون دفع ضرائب وهو ما كان يجعلهم يرابطون قبالة الباب قبل صلاة الفجر في انتظار إشارة الدخول، وفي عهد الاستعمار الفرنسي لتونس (1881 – 1956) تم إبطال غلق الأبواب”.
وتخلد أبواب مدينة تونس العتيقة جزءًا من تاريخ هذه المدينة إذ طالما كانت تؤدّي وظيفة هامة في العصرين الأغلبي والحفصي خاصة أنها كانت في علاقة وطيدة بالحياة الاقتصادية للمدينة من حيث دخول التجار القادمين من مناطق أخرى أو على المستوى الأمني على اعتبار أنها كانت إلى جانب الأسوار تحمي المدينة زمن الحرب والسلم أيضًا.
ويرى الجرّاي أن “أبواب مدينة تونس تحتاج اليوم إلى عناية أكبر من السلطات باعتبارها تمثل أحد المعالم التّاريخية المهمة في البلاد وأحد رموز الحضارات التّي تعاقبت على تونس”.
ولكل تسمية لها دِلالة، والمعلوم تاريخيًا فإن كل اسم يطلق على المنطقة التي يؤدي إليها ويفتح عليها، فـ”باب السويقة” هو تصغير لكلمة سوق، وهناك روايات تقول إن بئرًا كانت توجد في تلك المنطقة، وكان يجتمع حوله السقاءون الذين يأخذون المياه ويتجولون بها لسقي الأشجار والنباتات في المدينة، حسب الجراي.
أما “باب منارة” الذي أخذ مكان “باب أَرْطه”، و(أرطة) قائد عسكري قيل إنه قُتل في المكان الذّي أنشئ فيه الباب في معارك فتح مدينة تونس.
أما “باب سعدون” فأخذ تسميته نسبة إلى رجل صالح كان يسمى ‘أبي سعدون الأسمر” كان كثيرًا ما يرابط بذلك المكان، في حين أن تسمية “باب بنات” جاءت لأن السلطان أبو زكريا الحفصي (1229-1249) تبنى بنات عدوه يحيى بن غارية الثلاث ورباهن في قصر واقع قرب هذا الباب، فيما يفتح “باب العسل” على درب ابن العسال ويباع فيه العسل.
أما “باب الجزيرة” فهو يشرف على جزيرة “شريك العبسي”، الذي كان واليا لمنطقة الوطن القبلي (محافظة نابل حاليا بالشرق التونسي).
وتسمية “باب جديد” تعود لكونه جديدًا مقارنة بباقي الأبواب القديمة التي أنشئت قبله، ومن خصوصياته أنه إلى اليوم ظل محافظًا على مميزاته التاريخية والمعمارية، وهو يتميز بمدخله المنعرج.
واستمد “باب البحر” تسميته من كونه يشرف على جهة  البحر، في حين كان “باب الخضراء” مطلا على حديقة خضراء ومنها جاء اسمه.