جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

‘الخسفة’ مقبرة مرعبة لضحايا داعش الارهابية في الموصل

1٬586

لموصل (العراق) ـ يثير اسم الخسفة الرعب في قلوب سكان الموصل، فهي إحدى أشهر إنجازات دولة الخلافة، ببساطة هي حفرة هائلة أهدتها الطبيعة لـتنظيم الدولة الاسلامية تقع على أطراف الموصل، فاكتسبت شهرة واسعة بعدما ابتلعت مئآت الجثث في غضون أشهر.

“إذا قادك الفضول لرؤية الخسفة لا تخشَ أن تفقد طريقك أبداً فرائحة الجثث المتعّفنة ستقودك إليها، بقي أن تكون ذا قلب حديدي لتتمكن من إلقاء نظرة سريعة فيها قبل الإصابة بالدوار” هذه نصيحة شاب أوصله فضوله إلى أكثر الأماكن رعباً في محافظة نينوى.

أسعد كرم (24 عاماً) تحدث عن مغامرته التي وصفها بأنها “رعب حقيقي، وشاهد على واحدة من أبشع جرائم الإبادة التي ارتُكبت ضد العراقيين في التاريخ المعاصر”.

على بعد 20 كم جنوب الموصل، تقع منطقة العذبة حيث توجد الحفرة أو مقبرة ضحايا التنظيم المتشدد التي لا تفصلها عن الطريق العام الرابط بين بغداد والموصل سوى خمسة كيلو مترات، والعذبة من المناطق الساخنة جداً منذ فترة الاحتلال الأميركي (2003 – 2011).

وذاع صيت الخسفة منتصف حزيران/يونيو 2014 أي بعد أيام على سيطرة التنظيم على الموصل وأجزاء واسعة من المحافظة يومها انتشر خبر إعدام اكثر من مئتي نزيل في سجن بادوش (20 كم غرب الموصل) وإلقاء العشرات منهم في هذه الحفرة التي ابتلعتهم فوراً ولم يتبقَ لهم أثر هذا ما تناقله الموصليون فيما بينهم آنذاك.

يقول أسعد لموقع “نقاش” خرجت بسيارتي برفقة أحد أصدقائي، يقول الشاب أسعد كرم، كانت النقطة الدالة لهدفنا أعمدة دخان أسود تتصاعد من المحارق وهي معامل تكرير بدائية جداً أنشأها مواطنون لإنتاج الوقود، انحرفنا يميناً عن الشارع الرئيس وقطعنا طريقاً ترابية متعرجة بمسافة 4 كم تقريباً، المنطقة كانت موحشة خالية من السكان.

وصلنا إلى إحدى المحارق كان لي صديق يعمل هناك، توقفنا لنسأله عن الخسفة فقال وهو يهز رأسه بأسى “ما يقودكما إليها، انصحكما بعدم رؤيتها فلن تجدا ما يسركما”.

“لم نأخذ بنصيحته، وأكملنا الطريق وبعد قليل هجمت علينا فجأة رائحة كريهة كادت تخنقنا، عرفنا في تلك اللحظة إننا قريبان من مقبرة ضحايا داعش وبالفعل انتهت الطريق الترابية بنا إلى مكان ملعون” يواصل الشاب روايته”.

ويتابع “ترجّلنا فكان المنظر مخيفاً، حفرة قطرها خمسون متراً تقريباً وعمقها غير معلوم إذ لا ترى نهاية قاعها فهي ضيقة من الاسفل ومظلمة. كمّمت أنفي بسبب الرائحة التي لا تُطاق، أما صديقي فلم يحتمل، إذ أُصيب بالدوار والغثيان وعاد إلى السيارة.

معظم من يعتقلهم تنظيم “داعش” سمعوا باسم الخسفة سيما من يعرضون على التحقيق إذ يهدَّدون بإلقائهم فيها إن لم يتعاونوا ويدلوا بما لديهم من معلومات، بحسب يوسف الشمري الذي اعتُقل سابقاً.

عندما أُفرج عن الشمري قبل أسابيع وخرج من الموصل إلى بغداد، بدأ يبحث عن أسرار هذا الاسم فوجد مقطعفيديو نشر على اليوتيوب مؤخراً، “عندما شاهدتها حمدت الله كثيراً لأنهم لم يلقوني فيها”.

يظهر في الفيديو بقع دم واضحة على حافة الحفرة من جميع الجهات وبقايا جثث علقت بإحدى حوافها ما يؤكد إن إعدامات كثيرة جرت هناك راح ضحيتها نساء أيضاً.

أقرب منطقة مأهولة بالسكان إلى الحفرة هي العذبة وتبعد عنها مسافة 6 كلم تقريباً، وكلما رأوا سيارات التنظيم تتردد إلى المكان علِموا إن هناك من سيُلقى فيها.

سجون الدولة الإسلامية تغص بالمعتقلين، وهناك مئآت المفقودين لا يعرف ذووهم شيئاً عنهم والسبب في استخدام الحفرة هي إن عقيدة التنظيم المتشدد تأمر بدفن المرتدين أي المسلمين المخالفين لـ”دولة الخلافة” في غير مقابر المسلمين، لذا يتم القاؤهم هنا، ومن بينهم عناصر التنظيم الذين يُعدمون لأسباب عدة منها الفرار من المعارك.

من الذكريات السيئة التي تكاد لا تفارق أسعد أكرم، انه عندما كان يصوّر الحفرة أقبلت سيارتان تحملان شعار الشرطة الإسلامية، ترّجل منها ستة مسلحين وهم يقتادون ثلاثة رجال معصوبي الأعين ومكتوفي الأيدي.

قال اكرم، توقفت عن التصوير ورجعت إلى السيارة، جلست فيها وأنا أشاهد كيف أجبر عناصر الشرطة الإسلامية الرجال الثلاثة أن يجثوا على ركبهم، كانوا يصرخون ويستغيثون ويتوسلون، أخرج أحدهم مسدساً صوّبه على رؤوس الضحايا ومع صيحات “الله أكبر” أطلق النار عليهم فارداهم قتلى، انتظروا أن يلفظوا انفاسهم، ثم ألقوهم في الحفرة.

في هذه الأثناء غادرت وصديقي وعندما مررنا بجانب الحفرة قال أحد القتلة، هذا مصير المرتدين من الحشد الشعبي وهتف بحماس “دولة الاسلام باقية”.

مؤخراً صدرت أوامر لعناصر الدولة الاسلامية تقضي بردم الخسفة، وبالفعل ألقت سيارات حمل كبيرة الكثير من الانقاض والخردة، وبحسب أحد عمال المحارق فإن العمل استمر أيامٍ عدة.

أما أكرم فعلَّق على ردم الخسفة بالقول “ربما خافوا أن يُلقوا فيها بعد القضاء على دولتهم الزائلة قريباً”