جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

مستقبل السياحة العراقية-مايك تومسون – مراسل بي بي سي في البصرة

1٬797

عالم السياحة- بي بي سي-ربما يبدو قضاء عطلة في العراق في ظل المناخ الذي يعيشه حاليا من قبيل المجازفة التي تفتقر إلى الحكمة، لكن مدير قطاع السياحة بالبصرة واثق من أن تراث بلاده القديم والشواطيء الخلابة ستغري من يقومون برحلات ترفيهية على الذهاب هناك.

لفت انتباهي في طريق عودتي إلى الفندق الذي أنزل به عند مروري بأنقاض المكان الذي دمرته الحرب والذي يشكل معظم ضاحية البصرة لافتة كبيرة.

هذه اللافتة مكتوبة بحروف حمراء كبيرة تقول “مكتب البصرة السياحي”. وتوقفت لألقي نظرة على المكان على افتراض أن هذه اللافته من بقايا وزارة الاعلام في عهد الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين.

وقام مستشاري الأمني وهو شخص يدعى مارك، جندي سابق في القوات البريطانية الخاصة، بمراقبة الشارع قبل الاذعان لطلبي بالخروج من المركبة.

متدثران في معاطفنا المضادة للرصاص توجهنا صوب بابين خشبيين زرقاوين فوجدناهما مواربين.

وأخذت أنظر من خلال الصدع فسمعت أصواتا آتية من الفناء الذي لا تغيب عنه الشمس أمامي.

وبعد عمليات فحص من جانب مارك قمت بدفع البابين وتحركت بحذر شديد تجاه ما يشبه المكتب.

وأخذ مجموعة من خمسة شباب ينظرون إلى بفتور من على أريكتين باليتين إلى جانب حوائط الحجرة الخارجية.

وبمساعدة المترجم وجهت سؤالا لأحدهم عما كان يستخدم فيه هذا المبنى.

أطلال بابل القديمة

وتعد حدائق بابل المعلقة، أحد عجائب الدنيا السبع.

وأجاب هذا الرجل تعلو وجهه الدهشة من فشلي بشكل أو بآخر من تلقي الرسالة من اللافتة المعلقة بالخارج: “السياحة. مكتب البصرة للسياحة”.

وأشار الرجلان الأصغر سنا على الجانب الآخر منه إلى الباب المفتوح في نهاية الحجرة وطلبوا مني الدخول منه.

ووجدت بالداخل مجموعة من الرجال في زي تقليدي يجلسون على مقاعد متهتكة في شكل شبه دائري يلتفون حول رجل ذا شعر رمادي بنظارة غليظة.

ابتسم الشخص الذي كان يجلس خلف مكتب قديم وسألني عما لو كنت صحفيا.

وبمجرد اجابتي على سؤاله سألني كيف جئت لأسمع بشأن حملة مدينته السياحية الجديدة خصوصا بأن حملته الترويجية لم تكن لتطلق قبل أسبوعين؟

متحف البصرة التاريخي

ووجدت نفسي أتفحص وجهه منتظرا أن تتحطم هذه الابتسامة وتتحول إلى حالة من التكلف.

متجاهلا ترددي وقف مضيفي وصافحني وأراني بطاقة هويته التي تقول إن اسمه عبد الحسين مجيد المالك ويعمل مديرا للسياحة بالبصرة.

وجلس المالك بعد أن عرض علي الجلوس إلى جوار أعضاء لجنته الاستشارية وبدأ يتصفح مجموعة من الأوراق التي يكتظ بها مكتبه.

وقال المالك موضحا أن هذه الأوراق كانت ستتحول إلى نشرات كانت ستساعد في جلب مئات الآلاف من السائحين إلى البصرة.

ومع إدراك أن مالك كان مهتما للغاية بدوره بادرته بالسؤال عما يعتقده فيما قد تقدمه هذه المدينة التي دمرتها الحرب لأي شخص يتسم بالشجاعة لزيارتها؟

وأجاب هازا رأسه كما لو كان مريضا أو مدرسا محبطا بأن القرن السابع لهذه المدينة محفور في قلب التاريخ.

ألم تسمع بالسندباد البحري؟ يقال إن هذه المدينة كانت هي المكان الذي بدأ منه رحلاته. وألم تعرف أن البصرة ذكرت في حكايات ألف ليلة وليلة؟

وتساءلت هازا رأسي إذا ما كان هذا يعني أن أي سائحين يأتون إلى هنا سيتمكنون من زيارة الأماكن التاريخية ويبحرون في المناطق القديمة ويرون القطع الفنية؟

وأجاب: “لا هذا غير ممكن. لقد اختفت معظم القطع الأثرية الهامة لأن معظمها حفظت في متحف البصرة التاريخي الذي تعرض لسوء الحظ للقذف والنهب”.

وأضاف: “لكن يوجد بالقرب من هنا شواطيء جميلة علاوة على عدد من كبرى المستنقعات في العراق”.

ولم تكن الاجابة على سؤال حول المكان الذي قد يتمكن فيه الزوار من البقاء في مدينة تعرضت للقذف مرارا خلال الحرب الايرانية العراقية ومزيد من التدمير بوصول قوات التحالف، متفائلة.

محاذير

وقال إن المدينة بها الكثير من الفنادق الكبيرة مثل الشيراتون الذي يقع على مقربة من هنا لكنه دمر بالكامل. وأضاف: “لكن لدينا فنادق أخرى محلية الادارة”

نزلت في إحداها. وشعرت بأن الفندق في حاجة إلى توظيف حرس مسلحون على مدار الأربع والعشرين ساعة وشيدت حاليا حواجز خرسانية بهدف وقف الهجمات الانتحارية عبر المركبات من خلال نوافذ المطعم.

لكن مالك ليس لديه أي منها وقال “مثل هذه الأشياء مجرد محاذير ملموسة يجب أن تؤخذ في معظم المدن الكبيرة اليوم”.

واتضح لي أن مضيفي لم يسافر لفترة. وهذا ربما يكون لأن مطار البصرة أغلق أمام المدنيين لفترة طويلة.

وعلى الرغم من ذلك أكد مالك أن هذه الحقيقة يجب ألا تثبط من يريدون القيام برحلات ترفيهية من الاتيان إلى هنا.

وقال مالك: “هناك طريقين آخرين لدخول العراق عن طريق البر”.

وأضاف: “وقد قمنا حاليا بحملة لجعلها أكثر أمانا بالنسبة للسياح”.

متحف بغداد

سرق من هذا الصرح الثقافي المهيب 13 ألف قطعة لا تقدر بمال.

وبأخذ عدد عمليات السيارات المسلحة المستمرة والهجمات الأخرى على السائقين في الاعتبار فإن هذا ربما يحدث أيضا.

لكن عندما سألت مدير السياحة الجديد في البصرة كيف سيواجه صورة العنف الخطيرة في العراق حتى لو مع وجوب وقف القذائف وعمليات إطلاق النار في النهاية؟ أخذ يتحرك على كرسيه ويتفحصني بنظره وقال: “سننظم حملة إعلانات كبيرة. لكن الزوار يمكن أن يحموا أنفسهم بعدم تصديق شائعات العنف والارهاب. فعندما يأتون إلى البصرة سيجدون أن هذه المشكلات غير موجودة”.

وبينما توجهت إلى الباب سمعت صوت الكراسي وأصوات أخرى عندما عاد مالك ولجنة مستشاريه إلى العمل.

وتركت المكان متسائلا هل ما شاهدته لا يعدو عن كونه حالة من الخداع الذي يحيط بنفي الجريمة أم أنه نوع من التفاؤل الشجاع.

صور -حجم الدمار لمدينة النمرود العراقية التاريخية على يد عصابة داعش الارهابية