كنيسة العقبة… جزء من سردية الأردن
أقدم كنيسة في العالم تهمس بالإيمان وتنشد الرعاية
كتاب المستشار عمر الصمادي …
على ضفاف خليج العقبة، يختبئ سر يهمس بأذن التاريخ … سر في مكان صغير في حجمه، كبير في أثره، يختزن بين جدرانه قصة روحية يتجاوز عمرها ثلاثة آلاف عام واكثر، هناك ،،، على بعد خطوات من البحر، تقبع أقدم كنيسة معروفة في العالم شيدت خصيصا للعبادة، لتشهد على مسار حضارات مرت من هنا، وملتقى طرق العالم، ومحطة عبور تركت بصمتها في ذاكرة المنطقة.
هذه الكنيسة، التي بنيت ما بين عامي 293 و303 ميلادي، تعد أقدم من كنيسة القيامة في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم، ما يجعلها معلماً استثنائيا يغير كثيرا من المفاهيم المتعلقة بالتاريخ الديني للعهد المسيحي المبكر.
اكتشفت أطلالها عام 1998 على يد بعثة أثرية، لتظهر جدران طينية قائمة على أساسات حجرية، ومحراب وممرات داخلية، تؤكد أنها بنيت خصيصا للعبادة، وليست مبنى محولاً كما هو الحال في مواقع أخرى.
ورد على لسان أحد الرحالة القدماء، المدعو ماركوس، كتب عبارة بقيت شاهدا على عمق هذا المكان:( في العقبة وجدت كنيسة صغيرة، لكنها كبيرة بما تمنحه للروح من طمأنينة، وكأن نورها يصل إلى قلب المسافر قبل أن يراه بعينه)… كلمات تلخص حالة السكينة التي كانت، وما زالت تحيط بالمكان، وتجعله نقطة جذب روحي وثقافي لكل من يزوره.
ورغم هذه القيمة التاريخية العالمية، تكاد الكنيسة تغيب عن خارطة الترويج السياحي في الاردن والعقبة، فلا إدراج لها ضمن برامج المكاتب السياحية التي تستقبل آلاف الزوار سنوياً، وسط مطالب بإعطائها الاهتمام الذي تستحقه، باعتبارها واحداً من أهم كنوز العقبة، وقادرة على تحويل المدينة إلى محطة جذب ديني وثقافي لا تقل أهمية عن مواقع مشابهة في العالم.
وتشير الروايات التاريخية إلى أن الكنيسة هجرت خلال فترة اضطهاد المسيحيين في عهد الإمبراطور الروماني ديوكلتيان (303–313م)، ثم استخدمت لفترة وجيزة قبل أن يدمرها زلزال عام 363م، وتغمرها الرمال لقرون، الأمر الذي ساعد على حفظ جزء كبير من ملامحها حتى يومنا هذا.
اليوم، تطلق كنيسة العقبة نداء صامت… تطلب الرعاية، الترويج، والاهتمام… فزيارة هذا الموقع ليست مجرد جولة تاريخية، بل تجربة تأملية يستشعر فيها السائح كيف جمعت العقبة بين البحر وروح الإيمان وعمق التاريخ في لوحة واحدة.
إن وضعها على خارطة السياحة العالمية والاستثمار في تطوير محيطها وترويجها سيكون خطوة، لا تحيي إرثا عظيما فقط، بل تقدم للعالم وجها جديدا من وجوه العقبة… وجها يروي أن هذه المدينة لم تكن مجرد ممر للحضارات، بل شاهدة عليها، تحتضن أقدم كنيسة حملت نور الإيمان على شاطئها الهادئ.