جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

كتب أ.د. محمد الفرجات :تَكشُّف صخور القاعدة شرق مدينة العقبة: قراءة علمية وسياحية

451

تَكشُّف صخور القاعدة شرق مدينة العقبة: قراءة علمية وسياحية

 

ك         تب أ.د. محمد الفرجات

 

تُعد منطقة العقبة من أغنى المناطق الأردنية جيولوجيًا، حيث تكشف عن سجلٍّ عميق لتاريخ الأرض يعود إلى ما قبل أكثر من 600 مليون سنة.

 

فشرق المدينة، بعد تتابعات جبال الشراه والرم والحميمة بالجنوب، تبرز إلى السطح صخور القاعدة الغرانيتيّة والمتحولة، وهي بقايا الجذور القديمة للقارات، التي شهدت نشوء الدرع العربي النوبـي، أحد أقدم الكتل القارية على سطح الأرض.

 

إن هذه التكوينات لا تمثل مجرد صخور صلبة، بل هي صفحات مفتوحة من كتاب الأرض تحكي قصة تشكل القارات، وولادة البحار، وارتطام الصفائح، وتاريخ الحياة قبل أن تُخلق الكائنات المعقدة.

 

المنظور العلمي، الجرانيت وجذور القارات:

يتكون الجرانيت في أعماق القشرة الأرضية، نتيجة تبريد بطيء للصهارة الغنية بالسيليكا، ما يمنحه بلورات ظاهرة من الكوارتز والفلسبار والميكا.

 

وتكشّف هذه الصخور اليوم في العقبة يعني أن عمليات الرفع والتعرية أزالت آلاف الأمتار من الصخور التي كانت تغطيها، حتى انكشفت “جذور القارات” القديمة — وهي بقايا أعماق الجبال التي تشكّلت خلال ما يعرف بـالحدث البنيوي (Pan-African Orogeny) الذي أسس الدرع العربي النوبي.

 

إن صخور القاعدة هذه تُعد الركيزة الأساسية التي بُنيت فوقها التتابعات الرسوبية الأحدث، وهي بالتالي المفتاح لفهم تاريخ تكوين الجزيرة العربية وارتباطها القديم بالقارة الإفريقية قبل انفصال البحر الأحمر قبل نحو 25 مليون سنة.

 

تغوص لتختفي هذه الصخور كلما توجهنا شمالا بالإنطلاق من العقبة نحو القويرة ثم رأس النقب، ونجدها بالحفر العميق تحت أي مكان في المملكة،،، وتتكشف بالأودية العميقة غرب ضانا وغرب البترا.

 

الدرع العربي والركيزة

الجيولوجية:

يقع شرق العقبة ضمن امتداد الدرع العربي النوبـي الذي يمتد من البحر الأحمر إلى صحراء مصر والسودان واليمن. هذا الدرع هو أقدم مكوّن جيولوجي في المنطقة، ويتألف من صخور متحولة ونارية (كالجرانيت والشيست والنيس) تمثل البنية العميقة للقشرة القارية.

 

وتُعتبر هذه الصخور بمثابة “الركيزة” التي استقرت فوقها فيما بعد رواسب حقب الحياة القديمة والحديثة، ذات البيئات الرسوبية النهرية والبحرية والقارية، مشكّلةً تضاريس الأردن الحالية من الجبال إلى السهول والوديان.

 

القيمة السياحية والبيئية:

من الناحية السياحية، يُمكن اعتبار منطقة تكشف الجرانيت شرق العقبة متحفًا جيولوجيًا مفتوحًا.

فالألوان المتنوعة للصخور بين الأحمر الداكن والوردي والرمادي، وتداخلها مع الصخور الرسوبية اللاحقة، تشكّل لوحات طبيعية ساحرة تجذب عشاق الجيولوجيا والمغامرين والمصورين.

 

كما تتيح هذه المواقع فرصًا مميزة لإنشاء مسارات جيولوجية وسياحة علمية تشرح تطور الأرض والبيئة القديمة للزوار والطلبة، تمامًا كما في مواقع عالمية مثل “جرانيت الكيب” في جنوب إفريقيا أو “جراند كانيون” في أمريكا.

 

القيمة البحثية والتعليمية:

توفر هذه الصخور بيئة مثالية لإجراء دراسات علمية في مجالات:

 

الجيوكيمياء وتاريخ التبلور.

 

قياس أعمار الصخور بالنظائر المشعة لتأريخ الأحداث البنيوية.

دراسة المعادن النادرة وعناصر الأرض النادرة (REEs).

فهم العلاقة بين النشاط الناري القديم والانفتاح اللاحق للبحر الأحمر.

 

كما يمكن تطوير المنطقة كموقع لتعليم الجيولوجيا الميدانية لطلبة الجامعات الأردنية والعربية، وربط الجيولوجيا بالسياحة البيئية والتعليمية.

 

إن تكشف صخور القاعدة الجرانيتية شرق مدينة العقبة لا يمثل مجرد مظهر جيولوجي، بل هو شاهد على ميلاد القارات الأولى، ودليل على قوة الطبيعة التي كشفت أعماق الأرض أمام أعيننا.

ومن منظور تنموي وسياحي، فإن استثمار هذه المنطقة في سياحة الجيولوجيا والتعليم يمكن أن يجعل من العقبة وجهة فريدة تمزج بين علوم الأرض، وجمال الطبيعة، وروح الاكتشاف.

المسير بين الجبال القراتيتية في العقبة، يعطي للإنسان طاقة إيجابية بفعل جمال الألوان والتضاريس، والقواطع النارية الممتدة الجميلة السوداء والحمراء اللون والممتدة عموديا وأفقيا بالجبال، وبفعل الطاقة الكهرومغناطيسية لذرات عناصر معادن القرانيت المتنوعة.

 

تاليا رابط لفيديو من أحد الأودية شرق العقبة، والتي تمر عبر جبال القرانيت:

 

https://www.facebook.com/share/v/16tJuWtVbE/