جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

مقالات _بقلم محمد المحيسن :عمان… المدينة التي فيها الحيطان لها ودان، وعينان، وذاكرة لا تنسى

330

ق         ةصص الكاميرات الجديدة تثير شهية المتابعين وخوف المواطنين معا.

فمن التأويلات السياسية التي تبالغ في أسباب تركيبها، إلى التساؤلات حول جدوى وجودها في مدينة ما زالت بنيتها التحتية تئن تحت وطأة الإهمال والترميم المؤجل.

أصدقاؤنا المصريون يقولون: “الحيطان لها ودان”، أما أمانة عمان فقد قررت أن تكون لعمان أذان وعيون، فركبت خمسة آلاف كاميرا تراقب كل نفس حتى دعسة البنزين.

صار المواطن يمشي في الشارع بخط مستقيم، يخاف أن تلتقطه كاميرا وهو يعطس بلا كمامة.

صديق خفيف الظل علق ساخرا:

“خمسة آلاف كاميرا؟ يعني إذا عطست بالشارع، توقّع رسالة من الأمانة تقول: يرحمكم الله!” مرفق بوصل مخالفه ..

ويضيف: “الموضوع لم يعد أمنًا وسلامة، بل مشروع مراقبة وطنية من الطراز الرفيع! تخيل أن تصلك رسالة وأنت عالق في أزمة سير: تم رصدك تتنفس بعمق، الرجاء الالتزام بالتنفس الصامت.”

مواطن آخر علق بغضب:

“قبل أن تعلن الأمانة عن مشروع الكاميرات، كان الأجدر أن تعلن عن ترميم خمسين ألف حفرة. فعمان اليوم، يا سادة، لم تعد زهرة المدن، بل مدينه حديثة تتزين بأسلاك وكاميرات أكثر مما تتزين بالأشجار.”

فالكاميرا لا تسد حفرة، ولا تصلح مطبا، ولا تخفف أزمة سير.

كل ما تفعله أنها تصور وتبلغ وتمنحنا إحساسا بأننا نعيش في فيلم بوليسي من إنتاج أمانة عمان الكبرى.

تخيل أنك تمشي صباحا إلى عملك، فتظهر لك رسالة:

“تم رصدك تحدق في حفرة شارع

في عمان اليوم، الكاميرات أكثر من الأشجار، وأكثر انتشارًا من لافتات ممنوع الوقوف.

ولا تستغرب إن أعلنوا قريبا عن تطبيق جديد اسمه عمّان لايف، يمكنك من خلاله مشاهدة نفسك بثا مباشرًا من الكاميرا رقم 4212، ومعرفة ما إذا كنت تبتسم بطريقة قانونية أم لا.

التحسين الحقيقي الوحيد الذي لمسناه هو دقّة المخالفات وتنوعها وارتفاع أسعارها، بينما الطريق كما هو، والحفرة ذاتها بل ازدادت اتساعا، والزحمة تفاقمت، والغرامة تضخمت.

ويتخيل صديق آخر المشهد قائلًا:

“تتفادى حفرة قديمة عمرها من عمر اتفاقية وادي عربة، فتأتيك رسالة: تم تسجيل مخالفة، الرجاء عدم الهروب من الحفرة.”

ويضيف ساخرا: “لو صرفوا نصف ميزانية الكاميرات على تعبيد الشوارع، لكنا ننافس دبي في سلاسة الطرق.”

لكن يبدو أن الحفر جزء من التراث، والمراقبة جزء من الحداثة، فقررت الأمانة الجمع بينهما في تحفة هندسية اسمها “مخالفة فوق حفرة، وسيلفي مع مطب.”

لسنا ضد الكاميرات، بل مع أن تكون العين على البنية التحتية والسلامة العامة التي تكاد تختفي.

فالعين التي تراقب المواطن يجب أن تراه أيضا وهو يتفادى حفرة، أو ينجو من مطب أكبر من طموحاته.

ابتسم يا عزيزي المواطن، فأنت في عمان… المدينة التي فيها الحيطان لها ودان، وعينان، وذاكرة لا تنسى